علاقة طفلك بدميته سبيل مثالي لاكتشاف سلوكه وشخصيته
عالم الطفولة مليء بالألغاز والأسرار, وهو عالم ثري بكل ما تحمله مرحلته من تفاصيل وعلائق, ويجدر بعالم الكبار أن يعترف بتقصيره وقصوره الشديدين, في الانتباه لهذا العالم الحالم الذي يرسم أولى خطوات الرجولة, ويعنون سمات المستقبل القادم بعلامات مبكرة تتيح بدقة الملاحظة ومعرفة أنماط واتجاهات الشخصية الماثلة خلال مراحل عمرها القادمة. وتأتي علاقة الطفل باللعب والألعاب ضمن أكثر العلاقات الجديرة بملاحظة الأم على وجه الخصوص, باعتبارها علاقة ذات دلالات اجتماعية ونفسية يمكن عن طريقها تحديد ملامح شخصية الطفل السلوكية المتوقعة, في الصحيحين البخاري ومسلم عن الرُّبيع بنت معوذ »أنهم كانوا يصومون صبيانهم يوم عاشوراء ويجعلون لهم اللعبة من العهن, فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطي تلك اللعبة« وبخصوص هذه العلاقة يتحدث أطباء النفس والاجتماع كثيراً, مؤكدين أنه يمكن للأم أن تحصل على كنز ثمين من الناحية التربوية والنفسية والسلوكية إذا ما راقبت هذه العلاقة بدقة, واجتهدت في استثمارها لصالح طفلها.
أول الكنوز الثمينة التي تحصل عليها الأم من علاقة طفلها بالدبدوب يتمثل في حل مشكلة من أكبر المشكلات التي يمكن أن تواجهها وهي مشكلة التعلق الزائد لدى الطفل, حيث يؤكد الدكتور شحات صالح استشاري التربية السلوكية والاجتماعية.
أن الطفل بين سن السنة والسنتين يبدأ بالمشي واكتشاف طبيعة الأشياء المحيطة به, كما أنه سرعان ما يصبح شديد الخوف والبكاء عندما لا يرى أحد ابويه بجواره, ورغم قدرته على استقلاله باللعب والحركة في هذه المرحلة العمرية, إلا أنه دائماً ما يطرح بينه وبين نفسه سؤالاً عن كيفية وصول أبويه له عندما يفتقدهما, وهو سؤال له مدلوله المخيف بالنسبة للطفل, لذلك ينصح الدكتور الأم بإعطاءه دبدوباً صغيراً ذا شكل جميل, وتقديمه للطفل على أنه من الأسرة ويمكن الاحتفاظ به دائماً في كل الأوقات, وهنا سيشعر الطفل بالأمان المستمر, ويزول من عنده هاجس الخوف من تأخر والديه أو عدم عودتهما إليه مرة ثانية.
ومن ناحية أخرى, يشير أساتذة الطب النفسي والسلوكي, إلى أن دبدوب الطفلة ذو دلالة نفسية واجتماعية مهمة بالنسبة لها, ذلك أنه وسيلة اللعب التي تمنحها القيام بممارسة بعض الأدوار المستقبلية كدور الأمومة مثلاً, حيث تعامل الطفلة دبدوبها معاملة الأم التي ترعى طفلها, وتقوم على العناية به, وتخاف عليه من الضياع, وفي كل هذا دلالة واضحة على أهمية الدبدوب بالنسبة للطفلة في مرحلة الطفولة, فهو الوسيلة الأولى والفعالة لغرس بذرة الأمومة في داخلها , كذلك الحال بالنسبة للطفل الذكر, فهو الوسيلة ذاتها التي تتيح غرس بذرة الأبوة في داخله, وتعمل على طموحه النبيل إلى الاستقلال من خلال تحكمه في حركة الدبدوب وأوضاعه المختلفة.
وبنظرة أكثر عمومية, يؤكد الدكتور خالد الدش ¯ استشاري الطب النفسي ¯ أن جميع الأشياء التي يحتضنها الطفل, ذكراً كان ام انثى, هي بالنسبة له أمه التي يحبها, وأبوه الذي يرعاه, وإخوته الذين يأنس إليهم وبهم, ومن هنا يمكن القول بأن دمية الطفل أو دبدوبه هو البديل النفسي والمعنوي المناسب للطفل عوضاً عن كل أفراد الأسرة في كثير من الأوقات, وعن غياباتهم المتكررة والمتفاوتة, ما يؤكد في نفسه القدرة على تحمل غياب الآخرين عنه, ويعزز نوازع الاستقلال والاعتماد على النفس بالاستئناس بدبدوبه أو دميته او كل ما يقع تحت يديه من أشياء يحتضنها ويرعاها, ويقوم بتحريكها لفترات متكررة ومستمرة.
بالإضافة إلى ما سبق, نجد علماء التربية يلفتون النظر إلى أن الدبدوب بالنسبة للطفل, يمكن أن يحتل دور الصدارة في جملة الوسائل التربوية للطفل, إذا ما احسنت الأم توظيفه, حيث يشير الأستاذ الدكتور أحمد سيد عبد الدايم ¯ استاذ التربية وعلم النفس ¯ إلى أن تربية الطفل تقتضي استحضار الأسلوب القصصي والحكي لتعليم الطفل الكثير من السلوكيات, وتعويده على الصحيح المناسب منها, والدبدوب يمكن توظيفه كوسيط تربوي توجه من خلاله الأم طفلها وتحكي له ما تشاء من قصص تربوية مسلية, وذلك يكون أجدى وأقرب لتقبل الطفل وتطبيقه لنصائح الأم, وهنا ينصح الدكتور أحمد الأم باستخدام أسلوب بيت العرائس في رواية قصصها لطفلها, لأن يقوم الدبدوب بالحركة بينما الأم تروي القصة بصوتها المألوف بالنسبة لطفلها, لأن هذا الأسلوب والعرض يستحوذ على اهتمام الطفل ويصبح مع مرور الوقت هو الطريقة المثلى للثواب والعقاب, كلاً في وقته وحينه.
ومن خلال خبراتهم المتكررة يقرر أطباء التغذية الطفولية, ان الطفل غالباً ما يتمرد على بعض أنواع الأطعمة مع أهمية هذه الأنواع الغذائية لنموه, ومن ثم ينصح هؤلاء بالتدرج في إقناع الطفل بتناول الأطعمة التي يحبها, إلا أن أغرب ما ذكروه هو أهمية استخدام الدبدوب أو الدمية بصفة عامة في مثل هذا الأمر, يقول الدكتور ألفريد بريكتون ¯ طبيب الأطفال الإنجليزي ¯ :إنه يجب في هذه الحالة مشاركة الطفل اللعب بالدبدوب وإعطائه القيادة في اللعب, ثم استدراجه إلى ذكر انواع الطعام وذكر احاسيسه نحوها, وإدخال النوع الذي يتمرد عليه داخل غطاء اللعب ومن ثم إقناعه بتناوله, وكل ذلك يكون عن طريق الإسقاطات المناسبة التي تخدم عملية الإقناع, التي لن تؤتي ثمارها إلا من خلال المشاركة في اللعب بالدبدوب الذي يكون في هذه الحالة ¯ من وجهة نظر الطفل ¯ هو النموذج المحتذى الذي يجب اتباعه.
ومالا يعتبره التربويون ترفاً, بل دوراً اساسياً للأم, هو اكتشاف طبيعة الطفل الشخصية والسلوكية, بمعنى معرفة هل هو طفل حذر أم مندفع?, متسلط ام منضبط?, فوضاوي أم مرتب?, قبيح أم مهذب?.. إلى غير ذلك من الصفات التي يحسن اكتشافها مبكراً, ثم يؤكد هؤلاء التربويون أنه من خلال علاقة الطفل بدبدوبه ودميته يمكن تحقيق ذلك, إذ يقوم الطفل باتخاذ الكثير من الإجراءات والسلوكيات خلال تعامله مع دبدوبه ودميته, هذه الإجراءات والسلوكيات تكشف طبيعة الطفل الشخصية, وتعطي إشارات تربوية مهمة للأم يمكن من خلالها تقويم المعوج, وترسيخ المنضبط النافع, هذا بالإضافة إلى أن بعض الأمراض الطفولية تظهر من خلال هذه العلاقة بين الطفل ودميته, فمن المسلم به أن الطفل الصحيح جسدياً يلعب أكثر من الطفل المعتل الجسد, كما أن الأطفال الذين تكون تغذيتهم ورعايتهم الصحية ناقصة هم أقل لعباً واهتماماً بالألعاب والدمى التي تقدم إليهم, وهذا دليل قوي على أن الدمى مؤشر مهم في تحديد ملامح الشخصية وتفجير طاقاتها الكامنة مبكراً, وفي هذا تقول عالمة علم النفس د. يولا ليفاين: على الوالدين أن يتركا أطفالهم يمارسون اللعب التلقائي حتى ينفسوا عن طاقاتهم الكامنة بصورة صحيحة وسليمة وسريعة.
ومن ضمن ما يثيره أطباء النفس من معارف بخصوص أهمية الدمى والدباديب بالنسبة للطفل, إخبارهم بإمكانية معرفة نوازع الطفل العاطفية تجاه المحيطين به, حيث يشيرون إلى أنه يمكن استخدام اللعب لأغراض تشخيصية محضة, ومن خلال ذلك يمكن أيضاً معرفة مشكلات الطفل العاطفية, ولعمل ذلك يوضع الطفل في موقف لعب موجه في مكان يحتوي على دمى عامة وبشرية وأثاث منزلي فإن وضع الطفل دمى الأم والأب والأخت في غرفة بعيدة عن غرفته أمكن الافتراض بأنه يشعر أنه مرفوض من أهله أو معزول عنهم.