ولو توجهت بالسؤال إلى كل مدخن وقلت له: "لماذا تدخن" لأجابوك إجابات مختلفة، فمن قائل: أدخن إذا ضاق صدري؛ كي أروّح عن نفسي، ومن قائل: أدخن كي أتسلى في غربتي، وبعدي عن أهلي، إلى قائل: أدخن إذا سامرت زملائي؛ ليكتمل فرحي وأنسي، إلى قائل: أدخن، لأتخلص من القلق، والتوتر، والغضب، إلى قائل: أدخن مجاملة للرفاق، إلى قائل: أدخن بفرط إعجابي بفلان من النّاس، فهو يدخن وأنا أتابعه، وأعمل على شاكلته، إلى مسكين يقول: تعلقت به منذ الصغر فعزّ عليّ تركه، إلى مكابر عنيد يقول: أدخن لقناعتي بجدوى التدخين؛ فلا ضرر فيه، ولا عيب، ولا حرمة.
هذه ـ تقريباً ـ هي الأسباب الحاملة على التدخين، فإذا كان الأمر كذلك، فاسمح لي أيّها الأخ الحبيب بالحوار معك مدة يسيرة؛ عسى أن نصل إلى نتيجة مرضية.
أخي الحبيب: ألست مقتنعاً في حرمة التدخين، ومن أثره البالغ؟ ألا تفكر جاداً في تركه إلى غير رجعة؟ ستقول: بلى، ولكن آمل أن أزداد قناعة بضرر التدخين، وإمكانية تركه، وأقول لك: إليك ما تريد، فأعرني سمعك قليلاً، وأصغ فؤادك لما أقول:
1- أخي الحبيب: تذكر قبل كل شيء أنّك عبد لله، وأكرم بها من عبودية، فعبوديتك لله تحررك من كل شيء حتى من نفسك التي بين جنبيك، فتصبح حراً طليقاً عبداً لرب واحد لا لأرباب متفرقين.
وإنّ مقتضى عبوديتك لله أن تطيعه فلا تعصيه، وذلك عنوان فلاحك وسعادتك، إذا تقرر هذا عندك، فتذكر أنّ الدخان خبيث، وأنّه تبذير وإسراف، وأنّه قتل للنفس، وإلقاء باليد الى التهلكة، وأنّه إيذا للمسلمين، فهل هذه الأمور من طاعة الله، أو من معصيته؟
2- التدخين يبعث على النفور منك، ومن مجالستك، بل والسلام عليك؛ لأنّ رائحتك لا تشجع على شيء من ذلك.
3- التدخين قد يتسبب في حرمانك من نعمة الذرية، فهو يضعف النسل، ويضعف القدرة الجنسية، بل وربّما قاد إلى العقم.
4- وإذا رزقت بأولاد فربما تعرضوا للتشويه، ونقص النمو، وزيادرة العيوب الخلقية؛ فللتدخين أثر بالغ على صحة أولاد المدخن.
5- وإذا رزقت أولاداً، فلا شك أنّك ترغب في صلاحهم واستقامتهم ورجولتهم، وإذا كنت مدخناً ربّما كانت النتيجة عكس ذلك تماماً؛ فربما تسببت في إغوائهم، وانحرافهم، لأنّهم مولعون بمحاكاتك وتقليدك.
6- التدخين قد يصرفك عن بر والديك، وصلة أرحامك؛ لأنّك تخشى علمهم بأنّك تدخن، فلهذا تتحاشى قربهم، وتألف البعد عنهم، فأي خير يرجى من عمل يتسبب في عقوق والديك وقطيعة أرحامك؟
7- بالتدخين تساهم في خذلان أمتك، ودعم أعدائها الذين يحاربونها ليل نهار.
وبفضل جهدك قد غدوت لصانعي *** تلك السموم السود خير معين
تحبوهم المال الذي لولاه لم *** يجدوا السبيل لكيد هذا الدين
8- بالتدخين تقصّر عمرك، وتهدد حياتك بالفناء؛ فمعظم وفيات العالم الصناعي إنّما هي بسبب التدخين، حيث يموت سنوياً في العالم بسبب التدخين وحده مليونان وخمسمائة ألف شخص، فالدخان يجلب لك الموت العاجل، فضلاً عن أنّ سنوات العمر الأخير تكون معاناة من الأثر السيء للدخان.
وقد أجمعت البحوث العلمية على أنّ السجائر هي من كبرى المهلكات التي تصيب الإنسان بالعجز، وتهدده بالفناء.
9- الدخان يحرمك السعادة الحقة، ويوهمك بالسعادة المزيفة، وإلاّ كيف يسعد الإنسان وحياته مليئة بالأسقام، مهددة بالأخطار.
10- التدخين يؤثر على عقلك، ويضعف تفكيرك، ويورثك البلادة، وهذا مشاهد في الطلاب وغيرهم، ولقد أجرى المختصون الأمريكان تجارب لاختبار الذكاء بين طلاب المدارس فتبين لهم بشكل واضح أنّ المدخنين أقل ذكاء ومقدرة على الفهم من غيرهم ممن لا يدخنون.
11- التدخين يعرضك للجلطة، وتصلّب الشراين، وموت الفجأة.
12- التدخين يؤذي عينيك أيّما أذى، فهو يزيد من احتمال إصابتها بالماء الأزرق، ومرض إعتام العيون، كما أنّه يؤدي إلى التهاب الجفون، وتحسسها، بل ويؤدي إلى التهاب عصب الأبصار والعمى.
13- التدخين يثلم مروءتك، وينقص من قدرك، ويدل على ضعف إرادتك.
14- التدخين يثقل عليك العبادة، ويدعوك لمخالطة الأشرار والأراذل، ويزهدك بالأكابر، والأخيار، والأفاضل.
15- التدخين يوهن قواك، ويضعف قدرتك، ويورثك الخمول والكسل.
16- لا يكاد عضو من أعضاء المدخن يسلم من أضرار التدخين.
17- التدخين سبب رئيس للسرطان بأنواعه المتعددة؛ فهو سبب لسرطان الرئة، والحنجرة والشفة والبنكرياس والمثانة والكلى.
18- التدخين يتسبب في تسوس الأسنان، واصفرارها، واسودادها، ويتسبب في التهاب اللثة، وتقرحات الفم واللسان، وتشويه الشفاه، ووسخ الأسنان.
19- التدخين يسبب الربو، وضيق النفس، والسعال، والبصاق، وضعف كفاءة الرئة، وسوء الهضم، وتليّف الكبد، والسكتة الدماغية، والذبحة القلبية، وإصابة شرايين المخ بالتصلب، ويسبب الغثيان، والإمساك المزمن، والصداع والأرق، والفشل الكلوي، وضعف السمع، وفقدان حاسة الشم أو إضعافها، وضعف الجهاز المناعي، والاستعداد للإصابة بأمراض خطيرة، وزيادة أمراض الحساسية، والتهابات الجلد، وقرحة المعدة، والاثني عشر.
20- أضف إلى ذلك أنّ المدخنين ـ كغيرهم ـ عرضة لسائر الأمراض، ولكنها تزداد لديهم وتتضاعف بسبب التدخين.
أخي الحبيب: ألم تقتنع بعد؟ أليس فيما مضى ذكره عبرة لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد؟ ستقول ـ كعادتك ـ: بلى، وأقول لك: متى ستقلع عن التدخين إذا؟ ستقول غداً، أو بعد غد، أو بعد ذلك سأحاول الإقلاع عن التدخين.
إذاً أظنك لم تقتنع بما قيل سابقاً، بل ستستمر على التدخين، ولن تقلع أبداً! ستقول: لا، عفواً، إنني مقتنع تمام الإقتناع بما مضى ولكن يصعب عليّ ترك التدخين، وأخشى ألاّ أستمر على تركه.
إذاً ما الحل أيّها الحبيب، هل نقف معك أمام طريق مسدود؟ ونرضى منك أن تواصل التدخين حتى يهوى بك في مكان سحيق؟ ستقول: لا يا أخي لم يصل الأمر إلى هذا الحد، إذاً ما العمل؟ ربّما تقول: لعلي أسلك طريقاً آخر؛ كي أنجو من أضرار التدخين حيث سأتحول عن التدخين إلى الغليون أو الشيشة، فلعلها أقر ضرراً أو أهون خطراً.
وأقول لك: ما أنت ـ والحالة هذه ـ إلاّ كالمستجير من الرمضاء بالنّار.
أما علمت أنّ ما مضى ذكره من أضرار التدخين ينطبق على الشيشة والغليون ونحوها، ربما تقول: إذاً سأنتقل إلى نوع خفيف من السجائر ذات المحتوى المنخفض من النيكوتين والقطران؛ فحنانيك بعض الشر أهون من بعض.
وأقول لك: إن هذه خدعة كبرى قد ثبت ضررها وعدم جدواها وذلك لما يلي:
أ- أنّ ذلك سبب لتدخين أكبر عدد من السجائر.
ب- أنّ المدخنين في هذه الحالة يسحبون عددا أكبر من الأنفاس من السيجارة الواحدة.
جـ- وأنّهم يستنشقون الدخان بعمق، ويحتفظون به أطول فترة ممكنة، ليعوضوا نسبة النيكوتين التي فقدوها.
د- كل ذلك يؤدي إلى امتصاص المزيد من النيكوتين والقطران، ويحدث هذا بطريقة لا إرادية ودون أن يشعر بها المدخن، فكيف تلجأ إلى هذا الحل إذا؟
ربّما تقول بعد ذلك: لقد أعيتني الحيل وضاقت بي السبل.
أقاطعك فأقول: لا يا أخيّ، ما أعيتك الحيل ولا ضاقت بك السبل، فلكل داء دواء ولكل معضلة حل، وما من قفل بلا مفتاح، وإلا فما هو يقفل.
ستقول: ما الحل؟
أقول لك: أن تقلع عن التدخين فورا وأن تهجره بلا رجعة.
ستقول بزفرة، ولهفة، وأمل، وشوق: كيف الوصول الى ذلك السبيل، وكيف النجاة من هذا الداء الوبيل؟ وما العلاج الناجع، والدواء النافع من هذا السم الزعاف الناقع؟
أقول لك حينئذ: أيها الحبيب، كل ما تريده فستجده ـ إن شاء الله ـ ما يشفي علتك، ويروي غلتك، فمما يعينك على ترك التدخين ما يلي:
1- استحضار أضرار التدخين، واستحضار حرمته في الدين.
2- التوبة النصوح: فتب الى ربك، وعد الى رشدك، قبل أن يتلف التدخين جسدك، وقبل أن يفجأك الموت على غرّة منك، فأقدم غير هياب، ولا وجل، ولا متردد، وإياك والتأجيل، فان التأجيل ذنب يجب أن نتوب منه.
3- استعن بالله وفوّض أمرك إليه، والتمس إعانته ولطفه، وتضرع إليه بالدعاء، واسأله بصدق وإخلاص وإلحاح أن يعينك على ترك التدخين.
4- اقبل على الله بالمحافظة على الصلاة، فإنها تنهى عن الفحشاء، والمنكر، وبالصيام، فإنه علاج نبوي يهذب النفس، ويسمو بالخلق، ويقوي الارادة، ويعين على محارية الهوى، وأقبل على كتاب ربك، ففيه الهداية للتي هي أقوم، وأكثر من ذكر الله عز وجل، ففيه الطمأنينة والسكينة، واستعذ بالله من الشيطان الرجيم، فإن الشيطان هو الذي يزين لكالمعصية، فإذا استعذت بالله من الشيطان بصدق، أعانك الله منه.
5- استحضر الثمرات الحاصلة بترك التدخين.
6- وتذكّر أن من ترك شيئاً لله عوّضه الله خيراً منه، وأن العوض أنواع مختلفة، وأجل ما تعوّض به: الأنس بالله، ومحبته، وطمأنينة القلب بذكره.
7- وتذكّر الأجر المترتب على ترك التدخين؛ فكما أن ثواب الطاعة الشاقة أعظم مما لا مشقة فيه،فكذلك ثواب ترك المعصية إذا شق وعظم.
8- وتذكر أنّك بترك التدخين تنقذ نفسك من ضرر محقق.
9- وتذكر لذة الانتصار على النفس ومخالفة الهوى، فإن تلك اللذة أعظم من لذة كاذبة عابرة.
10- قارن بين لذة التدخين ـ إذا كان فيه من لذة ـ بالضرر البالغ الذي يحصل من جرّائه، حينئذ يتبين لك الغبن، فكيف إذا تقدم على لذة وهمية سريعة الزوال يكون بعدها هلاكك وعطبك؟!
11- العزيمة الصادقة، والإرادة القوية، التي هي عنوان عظماء الرجال.
12- الصبر خصوصاً في بداية الأمر: فالذي يريد ترك التدخين فلن يجد مشقة كبرى خصةصا في بداية الأمر؛ فالإقلاع عن التدخين ثقيل على النفس، ولكنه ليس متعذرا ولا مستحيلا، والصعوبة في تركه تكمن في ضغط العادة، ولأن كثيراً من المدخنين ـ وخصوصاً المفرطين منهم ـ يشعرون بالكآبة في الأسابيع التالية لإقلاعهم عن التدخين، إلى جانب معاناة الرغبة الشديدة في التدخين، ذلك أن نتائج ترك التدخين ربما تتضمن الخمول، وشدة التوتر، وسرعة الغضب، والقلق، والنوم المتقطع، وصعوبة التركيز الذهني، وأعراضاً أخرى في المعدة والأمعاء، مع انخفاض في الدم ومعدل النبض العام. ومع هذا فبعض تلك النتائج قد يكون نفسياً فقط، وقد لا تظهر تلك الأعراض إذا كانت العزيمة صادقة، والإرادة قوية.
ثم إن تلك المشقة لا تزال تهون شيئاً فشيئاً إلى أن يألف المدخّن ترك التدخين.
قال ابن القيم رحمه الله: "إنما يجد المشقة في ترك المألوفات والعوائد من تركها لغير الله، أما من تركها مخلصا من قلبه لله، فإنه لا يجد في تركها مشقة إلا في أول وهلة، ليمتحن أصادق هو في تركها أم كاذب؛ فإن صبر على ترك المشقة قليلا استحالت لذة".
فيا أيها الحبيب تجرّع مرارة الصبر، وغصص الحرمان في البداية، لتذوق الحلاوة، وتحصل على اللذة الحقيقة في النهاية.
والصبر مثل اسمه مرّ مذاقته *** لكن عواقبه أحلى من العسل
واعلم أن الصابر معان من الله، قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه: «ومن يتصبّر يصبّره الله».
واستحضر أنّ الصبر على التدخين أسهل بكثير مما يوجبه التدخين، فإنّه يورث ألماً، وعقوبةً، وهمّاً، وغمّاً، وندامةً، وذلاً، وضرر ـ كما مرّ.
13- الحذر من اليأس فقد تحاول ترك التدخين مرة أو أكثر فلا تفلح، وقد تتركه فترة ثم ترجع إليه مرة أخرى، فربما قادك ذلك الى اليأس، وربما ألقى الشيطان في قلبك أن لا سبيل إلى ترك التدخين، وأنّ كل محاولة منك ستبوء بالإخفاق؛ فإياك أن يدبّ هذا الشعور إليك، أو أن يجد منفذا إلى قلبك، بل حاول مرة بعد أخرى، ولا تيأسنّ مهما حاولت وأخفقت، فلعلك إن أخفقت مرات نجحت في آخر المطاف، بل من الناس من ينجح في أول محاولة جادة.
14- البعد عن رفقة السوء، وعن كل ما يذكر بالتدخين، من فراغ، ورؤية مدخنين، أو شم دخان.
15- لا تلتفت الى هؤلاء، فقد تبتلى بأناس يخذلوتك إذا رأوك هممت بترك التدخين، فربما عوّقوك، ووضعوا العراقيل والصعوبات في طريقك، فلا تلتفت إلى هؤلاء، بل أدر ظهرك لهم، وتوكل على ربك، واستشعر روح التحدي والإصرار، وستصل الى غايتك بإذن الله.
16- وإذا ضعفت نفسك عن ترك التدخين فورا، وأن تهجره مباشرة بلا رجعت ـ فلا أقل من أن تتدرج، وتمضي في طريقك لتركه، فتقلل من شربه، إلى أن تتركه بالكلية، ومما يعينك على ذلك أن تدع المجاهرة في شربه، لأن المجاهرة تقودك الى شربه في كل مكان.
ومن ذلك أن تمكث في أماكن تعينك على ترك التدخين كأن تجالس الأخيال والصالحين، وأن تتردد على الوالدين، وعلى من تستحي من التدخين أمامهم، فذلك يبعدك، ويسليك عن التدخين إلى أن تعتاد تركه والسلوّ عنه.
17- عرض الحال على من يعين، سواء كان طبيبا ناصحا، أو من تتوسم فيه الخير والصلاح، والنصح، فستجد عنده ما يعينك على الخروج من مأزقك.