** مقدمة
بدأ الاهتمام بالطفل في مطلع العشرينات من القرن الماضي بظهور قوانين لحماية الطفل حيث صدر أول إعلان لحقوق الطفل في العام 1923 وتبلور عنه إعلان جنيف لحقوق الطفل في العام 1924 ثم اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة في العام 1959 إعلانا عالميا لحقوق الطفل و تلى ذلك إعلان عام 1979 سنة دولية للطفل، وفي عام 1989 صدرت اتفاقية حقوق الطفل التي تعهدت بحماية وتعزيز حقوق الطفل ودعم نموه ونمائه ومناهضة كافة أشكال ومستويات العنف الذي قد يوجه ضده، وتضمنت المادة (19) من الاتفاقية حماية الطفل من كافة أشكال العنف والإيذاء البدني والعقلي والاستغلال الجنسي وغيره ووجوب اتخاذ الدولة الإجراءات الكفيلة بمنع ذلك بما فيها تدخل القضاء ( 6)
وألقت ظاهرة سوء معاملة الأطفال وإهمالهم اهتماماً مجتمعاً متزايداً خاصة في العقود الثلاثة الماضية وخاصة بعد إقرار اتفاقية حقوق الطفل وإقرار هذه الحقوق في وثائق دولية وتشريعات قانونية.
ومن معالم هذا الاهتمام المتزايد خصصت الرابطة الأمريكية لعلم النفس في مؤتمرها السنوي الذي عقد في أب من عام 2001 في سان فرانسيسكو 30 جلسة عن ظاهرة سوء معاملة الأطفال child abuse وتراوحت ما بين ( جلسات بحوث، وحلقات نقاشية، وورش عمل، وتدريب التعليم المستمر للاختصاصين والعاملين في هذا المجال والمهتمين به ) (1)
** حجم ظاهرة العنف والإساءة ضد الأطفال
من الصعوبة بمكان تحديد عدد الأطفال الذين تعرضوا للإساءة أو العنف إلا أن المدير الإقليمي للشرق الأوسط بمنظمة الصحة العالمية أشار إلى ان استخدام العنف ضد الأطفال يمثل كارثة ومأساة حقيقية لطبيعتهم الرقيقة وضعفهم في المقاومة غير انه وراء إصابة (80 ) مليون طفل دون الخامسة عشر من العمر بالإدمان من مجموع أطفال العالم (7)
وكشفت الدراسة الوطنية لمعدلات حالات سوء المعاملة والإهمال للأطفال التي صدرت عام 1996 ان عدد الأطفال الذين يتعرضون لسوء المعاملة قد ارتفع عددهم إلى 2,8 مليون في الولايات المتحدة الأمريكية، وتشير الإحصاءات في الأردن إلى ان عدد الاعتداءات على الأطفال وصل في عام 1995 إلى 17115 حالة (8 ) . وتشير بعض البحوث إلى ان سوء معاملة الأطفال يحدث في كل المستويات الاجتماعية والاقتصادية والتعليمية وتبين ان 80% إلى 90% من الحالات يكون الشخص المسيء أو المنتهك من الذكور وغالباً ما يكون قريبا أو صديقا للأسرة (1)
** مفهوم الإهمال وسوء المعاملة
شهد تعريف سوء المعاملة الطفل تطورا ملحوظا في العقود الماضية فمن المفاهيم الكلاسيكية التي طرحت عن هذه الظاهرة ما قدمه كمب و آخرون عام 1962 عن متلازمة الطفل المنسحق battered child syndrome وتصف هذه المتلازمة سوء معاملة الطفل على أنها إيقاع الأذى الخطر او إصابات خطرة بالأطفال الصغار بواسطة الوالدين او مقدمي الرعاية وغالبا ما ينتج عن الإصابات التي تشمل كسوراً وتجمعات دموية بالدماغ و إصابات متعددة في الأنسجة الرخوة وعجز مستديم وحدوث وفاة.
ذكر قاموس وبستر ان من معاني سوء المعاملة والإهمال للطفل هو ممارسة القوة الجسدية بغرض الإضرار بالطفل وقد يكون الإضرار مادي من خلال ممارسة الضرب او معنوي من خلال تعمد الإهانة المعنوية للطفل بالسب او التجريح او الإهانة (3)
ويوسع جيل gil 1974 مفهوم سوء المعاملة للطفل ليشمل أي فعل يحرم الطفل من ان يحقق إمكاناته الجسمية والنفسية.
وتعرفه إدارة الصحة والخدمات الإنسانية بالولايات المتحدة الأمريكية 1981 بانه الإيذاء الجسدي او الإساءة الجنسية او المعاملة القائمة على الإهمال او سوء المعاملة للطفل تحت سن الثامنة عشر من العمر وذلك بواسطة شخص يكون مسئولاً عن رعاية الطفل ورفاهيته تحت ظروف تتعرض فيها صحة الطفل او رفاهيته للأذى او التهديد (1)
وعرفه قانون الحماية والعلاج لسوء معاملة الطفل بالولايات المتحدة الأمريكية الذي صدر عام 1996 بان سوء المعاملة والإهمال هو ( في حده الأدنى هو أي فعل حديث او فشل في فعل من جانب أحد الوالدين او مقدم الرعاية تنتج عنه وفاة او إيذاء جسمي او انفعالي خطير او إساءة جنسية او استغلال جنسي او أي فعل او فشل في فعل ينتج عنه خطر وشيك الحدوث لأذى خطير ) (1)
ان مفهوم سوء المعاملة والإهمال للأطفال قد يتسع ليتضمن ظاهرات وحالات عديدة من سوء المعاملة للأطفال ومن الأساليب الخاطئة في تنشئتهم، بل قد يمتد أيضاً ليشمل صدمات الطفولة او الأطفال المصدومين نتيجة للخبرات المؤلمة او الصدمية التي تعرضوا لها وهي خبرات تعطل او تعوق ارتقائهم النفسي، ولاشك ان تعرض الأطفال لخبرات سوء المعاملة والإهمال يشكل في حد ذاته ( صدمة ) للطفل وصدمة الإساءة لها من التبعات والعواقب والمظاهر التي تؤثر على الصحة النفسية للفرد (1)