بسم الله الرحمن الرحيم
حـقق العلم في القرن العشرين تقدماً هائلاً في شتى ميادين المعرفة وتمكن العلماء من إختراع كثير من الأجهزة التي أسهمت في تقدم البشرية ورقيها ومن هذه الاجهزة الكمبيوتر (Computer) وقد غدا الانسان في االوقت الحاضر يسمع يومياً بإسم هذا الجهاز ان لم يكن يردده أو يشاهد الجهاز نفسه , أو يستفيد من خدماته أو يستعمله.
من فوائد الكمبيوتر
يمكن اعتبار الخبرات الشخصية ذخيرة للارتقاء بقدرات الفردنفسه والآخرين الذين تتاح لهم فرصة الاستفادة منها ، وكثيرون هم الذين يمارسون بعضالمهارات بناء على دراسة علمية متخصصة أو هواية وميل ذاتي يمكنهم من اكتساب الخبرة، وقد يصلوا إلى درجة اعتبارهم مرجعا يستفاد منه في هذا المجال. صحيح أنه لا يمكنالاستغناء عن الكتب في تلقي وممارسة أي خبرة جديدة ، لكن يبقى العنصر ذو الأهميةالكبرى وهم الأشخاص الممارسون لها تطبيقا أو المتخصصون علميا فيها ، ولذلك فإنمحاولة الاستفادة من العناصر البشرية في عملية تلقي الخبرات والمهارات هو أمر لامناص عنه، بل قد يصل الحال إلى ضرورته وإلزامية الاستفادة منه ..
سقت هذه المقدمة الطويلة أمام الحديث عن فوائد الكمبيوترالذي بزغت شمسه خلال السنوات الأخيرة ، وجرفتياره الملايين من البشر في كل أنحاء العالم ، وهو بدون شك جهاز ساحر - إن صحالتعبير - ففيه من المغريات والجاذبية لمستخدميه ما لا يمكن أن يجدوه في غيره منمصادر المعرفة أو منابع الخبرة والمهارة. استطاع " الكمبيوتر" أن يأخذ عقولا كثيرةمن اهتمامات كانت تسيطر عليها ، وتمكن خلال فترة وجيزة أن يعيد صياغة هذه العقولبأسلوب مغاير لما كانت عليه ، كما أنه أتاح لها فرصا جديدة لاستثمار قدراتهاالشخصية ، ويمكن القول أن هذا الجهاز العجيب استطاع أن يضع الكثيرين من مستخدميهعلى طريق جديدة في حياتهم الشخصية والعملية وأن يبرز أفواجا من المبدعين ويكشف عنمهارات لم تكن في حسبان أصحابها ، وليس من المستبعد أن يأتي اليوم الذي تتغير فيهملامح مجتمعات بأكملها نتيجة انتشاره كوسيلة من وسائل التعلم ومصدر من مصادرالمعلومات.
من سلسلة الفوائد التي لا يمكن إنكارها لهذاالجهاز بثه روح " الجدية " و " المثابرة " للوصول إلىنتائج أفضل في أسلوب العمل لدى الفرد المستخدم له ، وهو بدون شك يساهم بفعاليةكبيرة في تنظيم الأعمال الشخصية أو الرسمية ، وإخراجها في شكل جميل وجذاب و واضح.
وكأي جهد بشري فإن استخدام الكمبيوتر لا يخلو من السلبياتالتي قد تؤثر في شخصية المستخدم ، وتتحدث وسائل الإعلام والدراسات العلمية عن تلكالسلبيات مثل انتشار الكآبة بين كثير من المستخدمين ، ويشعر معظمهم بآلام الظهروتوتر العضلات وخاصة عضلات الرقبة وغيرها ، وهو يؤدي بالفرد في حالات عديدة إلىالانعزال عن المجتمع والانكفاء عليه ولكن هذه الحالات قد تكون ناتجة من حيث المبدأعن مشكلات شخصية لا علاقة لها بالكمبيوتر ولكن المصابون بها وجدوا فيه صديقا يأسرهمويهربون إليه حتى من ذواتهم.
رغم تلك السلبيات فإن التجربة الشخصية مع الكمبيوتر تجعلنيأطالب كل المثقفين والمتعلمين بضرورة الدخول في هذا العالم المفعم بالخبراتوالمهارات التي لا يمكن الاستغناء عنها في هذا العصر، وإذا لم يسارع الفردللاستفادة من الفرص المتاحة له اليوم فإنه سيدفع الكثير لكي يلحق بالركب غدا، ولعلأكثر الأفراد الذين تزداد حاجتهم إلى "الكمبيوتر" هم الأفراد العاملون في مجالالتعليم ابتداء من الروضة وحتى الدراسات العليا ، ومن لا يصدق فليجرب ، وليلاحظ منحوله من المستخدمين للكمبيوتر وغيرهم ممن لم يدخلوا بعد في هذا العالم.
عصر قرصنةالحاسوب
أعلن اتحاد منتجي برامج الكمبيوتر التجارية في الشرق الأوسط (BSA ) عن خطة جديدة لتطوير جهوده خلال الأشهر المقبلة للسيطرة على ظاهرة استنساخالبرامج غير المشروعة في أسواق المنطقة ، وتوقع الاتحاد انخفاضا ملحوظا في ظاهرةالقرصنة ، خاصة في كل من مصر والسعودية " نشر هذا الخبر مع تفصيلات أخرى في مجلة" اقتصاديات السوق العربي العدد السابع الصادر في شهر أغسطس 1997 هـ ، وهو خبر يحملفي طياته وبين أسطره علامات مؤلمة لما يحدث في المنطقة العربية من عمليات القرصنةالمعلوماتية ، لكن لابد وأن نقف طويلا لإبداء وجهة نظر لعلها تساعد في حل هذهالمشكلة التي باتت تؤرق شركات الكمبيوتر العالمية والمحلية .
من تفاصيل الخبر أن أكبر نسبة خسائر شركات الكمبيوتر كانتفي المملكة حيث بلغت حوالي 25% من جملة خسائرها في الوطن العربي ، وتليها فيالترتيب مصر حيث بلغت الخسائرحوالي 14 % من المجموع الكلي ، صحيح أن هذه الخسائرلايرضاها أحد ولولم تكن له أدنى علاقة بعالم الكمبيوتر فهي قضية أخلاقية قبل كل شيءو ليست من سمات المجتمع العربي المسلم ، ورغم صدور العديد من الفتاوى الشرعيةوالتحذيرات الرسمية فإن القرصنة ما تزال مستمرة وبأساليب متعددة ، وبطبيعة الحالفإن الجهود المكافحة تستمر في طريقها لعلها تنجح في مهمتها الصعبة..!
ولا أدري هل يمكن التفكير في هذه المشكلة من ناحية أخرى غيرالمصلحة المادية والمعنوية للشركات ذات العلاقة ، فالفرد في المجتمع العربي كأي فرديعيش في أنحاء العالم له الحق في امتلاك آخر كما وصلت إليه تكنولوجيا المعلومات ،ومن حقه الاستفادة من إمكاناتها الواسعة والضخمة التي توفرها لمستخدميها ، ولكن تقفأمام طموحاته ورغباته عقبات عديدة أهمها الأسعار المبالغ فيها لبرامج الكمبيوترالأصلية إضافة إلى أن أسعار الأجهزة نفسها ليس في متناول أيدي الكثيرين من أبناءالوطن العربي ، والمواطن العربي أمام طموحاته ورغبته الأكيدة في تنمية قدراتهوتحقيق أحلامه المعلوماتية قد لايتمكن من الوصول إلى أدنى مستوى في توفير ما يحتاجإليه من تجهيزات أو برامج طالما هي أسعارها باهظة ومبالغ فيها..! هذه القضية ليستجديدة فقد نوقشت في أكثر من مطبوعة ولقاء ، وكانت جميع الأطراف - تقريبا - تقف إلىجانب الشركات في مجابهة المواطن العربي مكتوف اليدين ، ولم تفكر أية جهة في حمايةحقوقه كإنسان يعيش في عالم التكنولوجيا المتطورة وفي عصر تفجر المعلومات ، ولم تبدأية جهة رغبتها في مساعدته على تحقيق أمنياته الراقية فعلا ، والطموحة إلى تطويرذاته ومجتمعه ، وكأن هذه الجهات لا يهمها هذا المواطن من قريب أو بعيد بل كل الذيتريد فعله إثبات جدارتها في حماية حقوق الشركات الأجنبية والتي تمتص دماء هذاالمسكين بأساليب عديدة ، وتقوم هذه الجهات بدور المدافع عن حقوق الشركات وحمايتهامن تلاعب المواطن العربي بها .
وللحق يجب القول بأنه كما أن للشركات حقوق الإنتاجوالابتكار ويجب حمايتها من أيدي العابثين ، فإن للمواطن العربي - كأي إنسان - حقوقالاستفادة من منتجات الحضارة المعاصرة ، وطموحات لابد من تحقيقها بأسلوب العصر ،ولعل من أبسط الحلول لهذه القضية أن تقوم جهات رسمية وأهلية وتجارية بمبادرة - إنسانية - للتخفيف من ارتفاع الأسعار والحد من جشع الشركات المنتجة والموزعة وذلكبالضغط عليها لتقليص نسبة الأرباح ، ثم لابد من قيام مؤسسات محلية لإنتاج البرامجالتي يحتاجها المواطن العربي وبيعها له بأسعار تتناسب ومستوى الدخل والمعيشة في دولالمنطقة بصورة عامة.
لعل هذا الاقتراح يكون خطوة ضمن الخطوات التي يمكن أن تحدوتوقف من عملية القرصنة التي تئن منها الشركات ، ويئن المواطن العربي من الأسعارالباهظة للبرامج والأجهزة ، وفي الوقت نفسه سيصبح من غير المجدي لأي جهة استمرارهافي عملية القرصنة باعتبار التيسر المتوقع حدوثه في عملية البيع للأجهزة والبرامج .إن عملية التخفيف عن الفرد الطموح إلى تطوير ذاته ومجتمعه لابد وأن يكون هاجس كلمؤسسة أو أفراد لهم دور في صنع القرار في عالمنا العربي، ولا يمكن الاكتفاء بمعسولالكلام لتحقيق هذا الهدف ، بل لا بد من القيام بجهود حثيثة وعملية وواقعية للوصولإلى نتائج مثمرة تعود بالخير على الفرد والمجتمع والأمة. نحو استثمار أذكىللكمبيوتر أضحى انتشار أجهزة الكمبيوتر في العالم قضية تستحق المناقشة والتفكير ،فهذا الجهاز - بدون شك - يمثل إحدى صور الحياة المعاصرة و المستقبلية ، وسيبقىمسيطرا على أساليب الحياة المختلفة - والله أعلم - لفترات طويلة مع ما تحمله الحياةمن متغيرات قد تفاجيء البشرية بما لم يخطر لها على بال والتوسع في استخدام هذاالجهاز ليس بالأمر السهل فقد بسط نفوذه على كثير من الأعمال التجارية والعلميةوالشخصية ، وليتني أجد بين يدي إحصائية بعدد الذين يمتلكون هذا الجهاز بصورة شخصيةفي العالم كله وفي المنطقة العربية على وجه الخصوص ، لعلي أستأنس بها في معرفة عددالمستفيدين استفادة حقيقية من الذين جعلوه في بيوتهم أو مكاتبهم كالتحفة الجميلةالتي يفاخرون بامتلاكها ، أو في بعض الحالات كلعبة من ضمن لعب الأطفال لكنها بينأيدي الكبار أي جهاز أو آلة يمتلكها الفرد أو المؤسسة لابد من استثمارها قدرالإمكان حتى يمكن اعتبار قيمتها المادية المدفوعة في شرائها في مكانها الصحيح ،وخاصة إذا كانت القيمة هذه باهظة ، وإن لم تستثمر هذه الأجهزة بطريقة صحيحة فمنالمؤكد أن ما دفع من أجل شرائها أضحى في مهب الريح كثير ممن يمتلك الكمبيوتر بصورةشخصية أو مؤسسية لا يعرفون من استخدامه إلا الحد الأدني ، ولو أنهم حاولوا لوجدواأنفسهم أمام عالم فسيح مفعم بالخبرات والمهارات التي تساعدهم على تطوير أدائهمالوظيفي ، وتمكنهم من تنظيم أعمالهم وبعضهم لايعرف من هذا الجهاز - رغم ضخامةالمبالغ التي دفعوها لشرائها - إلا عالم الألعاب والترفيه البريء وغير البريء ورغمأن البعض يحاول استثماره في مجال عمله تطويرا لأدائه وتنظيما لإنتاجه العلميوالفكري إلا أن العديد من المعوقات تحول دونه وما يرغب ، على سبيل المثال يوجدالكثير من المعلمين ممن أصبح على صلة قوية بالكومبيوتر ولديه من الطموحات الشيءالكثير ، لكنه يواجه بعدم موافقة مدير المدرسة أو الموجه على استعمال الجهاز في أيجزئية من عمله ، لعلل وتبريرات ليس لها أي حجة علمية أو منطقية ، اللهم إلا جهلهؤلاء المعارضين بحقيقة الجهاز ومدى الفائدة التي يمكن جنيها من وراء استعماله علىالمعلم والطالب والعمل نفسه ولا أدري هل سيبقى هذا النوع من التفكير والرؤية غيرالعادلة تجاه الكمبيوتر إلى أجل طويل أم أن هذه العينات سينساها الزمن ويتركها تعيشفي أوهامها من الخوف والريبة في أمانة ومصداقية المعلمين ، ولا أدري إلى متى يظنهؤلاء المترددون أنهم باقون في أماكنهم واستمرارهم في إصدار قرارات المنع وملاحقةالمعلمين الذين يستعملون الكمبيوتر في تنظيم أعمالهم التدريسية أو الإدارية ..
الكمبيوتر هذا الجهاز الذي صنع أصلا ليخدم الإنسان ويساعدهفي تطوير أعماله والارتقاء بمستويات الأداء للأفراد والمؤسسات لايمكن أن نقف أماموجهه ، ولو حاول البعض ذلك اليوم فإنهم أمام خيارين لا ثالث لهما ، فإما أنيستسلموا في نهاية المطاف أو أن ينصرف عنهم التاريخ إلى آخرين غيرهم ، لأنهم لايستحقون الدخول في عالم مليء بالمتغيرات والتجديدات وليس لديهم القدرة على مجاراةالمستجدات وبالتالي فهم أول الخاسرين وليس هؤلاء وحدهم الذين سيخسرون أنفسهم بليمكن أن نضم إليهم كل الذين لا يحاولون الاستفادة من إمكانات هذا الجهاز واكتفوامنه بالمستويات الدنيا من خدماته وهؤلاء لا يختلفون عن الفئة الأخرى التي تحاربالجهاز والمستخدمين له ومن الوسائل التي تعين على الاستفادة القصوى من الكمبيوترمداومة الإطلاع على آخر الأخبار وأحدث ما وصل إليه عالم الكمبيوتر فهو عالم لا يقفعند حدود اليوم أو الأمس ، بل هو عالم الغد دائما ، فأيما أمرئ يملك جهازا ولايبادر إلى الإطلاع عن طريق القراءة في الكتب و المجلات المتخصصة ، إلى جانبالاستفسار من أهل الخبرة والممارسين السابقين له وزيارة الأماكن التي تتعامل مع هذاالجهاز بيعا وتسويقا حيث الجديد الدائم هناك فهو يحجم نفسه وقدراته ، وبالتالييتخلف عن الركب خطوات واسعة جدا ليس هذا الكلام دعاية لمؤسسات الكمبيوتر ولاالمطبوعات الخاصة به ، وإنما هي محاولة لتوجيه الانتباه إلى الأساليب الصحيحة فيتطوير الأداء للفرد والمؤسسة ، ولايكفي أن يشتري الفرد أو تمتلك المؤسسة مجموعة منالأجهزة دون عملية التطوير المستمرة وتوفير آخر المستجدات المساعدة في عمليةالتطوير، وإلا ستصبح هذه الأجهزة مع الأيام مجرد أكوام من الآلات التي عفا عليهاالدهر وليس لها مكان في عالم الغد المتجدد.